بسم الله الرحمن الرحيم
خطورة التساهل في
الديون
الرسالة (33) من رسائل
الايمان
الحمدُ للهِ باسِطِ العَطاءِ، مُجيبِ الدُّعاءِ،
أَحْمَدُه سُبحانَه على السرَّاءِ والضرَّاء، حَمداً يَملَأُ الأرضَ والسماء، وما
بينهما مما يَشاء، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَه، الملِكُ
الديَّانُ، ذو الجودِ والإحسان،{يَسْأَلُهُ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن}[الرحمن:29]
وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه وصفيه وخليله، ورسوله إلى
الأنس والجان، صلى اللهُ عليه، وعلى آلهِ وأصحابه واتباعه في كل وقت وآن، وسلم
تسليما كثيرا.
وبعد....
خطورة الدين
روي عن محمد بن جحش رضي الله عنه قال: كنا جلوسا
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إلى السماء ثم وضع
راحته على جبهته ثم قال: سبحان الله ماذا نزل من التشديد فسكتنا وفزعنا فلما كان من الغد سألته
يا رسول الله ما هذا التشديد الذي نزل، فقال: والذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم
أحيى ثم قتل ثم أحيى ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضي عنه دينه [رواه النسائي
حديث رقم 4652، وحسنه الألباني].
أخي الكريم:
إن المؤمن العاقل المشفق على نفسه يسعى جاهدا على أن يلقى ربه سليم
القلب بريء الذمة من حقوق الخلق؛ لأنه على يقين أن الحساب عظيم والموقف جليل بين
يدي الجبار الذي لا يُظلم عنده أحد ولا يخفى عليه ذرة القائل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وإِن تَكُ حَسَنَةً
يُضَاعِفْهَا ويُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء:40]
وقد ورد في السنة الصحيحة
زجرٌ شديد ووعيد مخيف لمن تساهل في حقوق العباد فلو جئت بملء الأرض خطايا وذنوب
بينك وبين الله، ثم أقبلت على الله فلن يخيبك ولن يردك سبحانه.
أما ما بينك أنت والخلق لن يُغفر إلا أن يعفو
عنك من ظلمت وترد الحقوق إلى أهلها، والا يؤخذ من حسناتك يوم القيامة.
ومن أعظم ما يشغل ذمة المؤمن ويثقل كاهله ويورده
المهالك يوم القيامة الدَّين وما أدراكم ما الدين؟
هم بالليل ومذلة بالنهار،
وصدق من قال: «ذقت طيبات الدنيا كلها فلم أجد أطيب
من العافية، وذقت مرارات الدنيا كلها فلم أمر من الحاجة إلى الناس، ونقلت الصخر والحديد فلم
أجد أثقل من الدين».
أطول وأكبر آية
في كتاب الله هي آية الدين، أوصانا الله فيها بكتابة الديون والإشهاد عليها، قال
تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم
بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ }[البقرة:282]
الدين لا يكفره الشهادة
هل رأيتم فضل الشهيد، ومنزلته
عند الله؛ يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن
من الفزع الأكبر منزلة عالية، جاد بنفسه في سبيل الله، ومع كل ذلك لا يدخل الجنة
ما دام في ذمته دين حتى يقضى عنه دينه، جاء في صحيح مسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قام في أصحابه فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال فقام
رجل فقال يا رسول الله أرأيت إن قُتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي فقال رسول
الله: «نعم إن قتلت في سبيل
الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك». [رواه مسلم]. وهذا يدل
على أن التورط بالدين من أعظم الأخطار التي يبتلى بها المؤمن في الدنيا.
وعن
سمرة بن جندب رضي الله عنه قال:خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هاهنا أحدٌ من بني
فلان، فلم يجبه أحدٌ، ثم قال: هاهنا أحدٌ من بني فلان، فلم يجبه أحدٌ، ثم قال: «هاهنا أحدٌ من بني فلان، فقام رجلٌ فقال أنا يا
رسول الله، فقال: «ما منعك أن تجيبني في المرتين الأوليين؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم: «إني لم أنوه بكم إلا
خيراً إن صاحبكم مأسورٌ بدينه » [رواه أبو داود والنسائي].
وفي
رواية: «إن صاحبكم حُبس على باب
الجنة بدينٍ كان عليه فإن شئتم فافدوه، وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله، فقال رجلٌ عليَّ دينه
فقضاه » [قال الحاكم صحيح على شرط
الشيخين، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 2/168 ].
ربما كان هذا الميت في
حياته يملك أموال وعقارات؛ لكنه استدان ومات لم يخبر بها، فلا اله إلا الله كم من
أمواتنا محبوسون في قبورهم، محبوسون من النعيم بسبب ديونهم؛ فليتق الله من عليه
دين أن يكتبه ويوصي أهله بقضائه، وليتق الله الأبناء في والديهم الأموات بالمسارعة
في قضاء ديونهم.
امتناع الرسول عن
الصلاة على المدين
ورد
أنه صلى الله عليه وسلم كان يتورع ويمتنع عن الصلاة عن الرجل الذي عليه دين حتى يُقضى
عنه دينه، كان يصلي عليه الصلاة والسلام على أصحاب الكبائر، لكن أصحاب الديون لا
يصلي عليهم؛ لأن
حق المخلوق لا يكفره الاستغفار والدعاء، كما في سنن الترمذي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتى
برجل ليصلي عليه، فقال: «صلوا على صاحبكم فإن عليه ديناً»[رواه ابن ماجه2407،وصححه
الألباني]. ثم لما وجد النبي صلى الله عليه وسلم يسارا وكثرة في بيت المال صار
يقضي الديون عن المؤمنين، وهذا يدل على أنه يتأكد على الدولة الغنية السعي والاجتهاد
في قضاء ديون الأموات الذين لم يتركوا مالا يكفي لسداد ديونهم.
من أسباب عذاب القبر
الدين
ومما
يدل على خطورة الدين أن صاحبه قد يتعرض لعذاب القبر كما في حديث جابر بن عبد الله
رضي الله عنه قال: (توفي رجل فغسلناه وكفناه وحنطناه ثم أتينا به رسول الله صلى
الله عليه وسلم ليصلي عليه فقلنا: تصلي عليه فخطا خطوة ثم قال: أعليه دين. قلنا:
ديناران فانصرف فتحملهما أبو قتادة فأتيناه فقال: أبو قتادة: الديناران عليّ. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: « قد أوفى الله حقَّ الغريم وبرئ منهما الميت» قال: نعم. فصلى عليه ثم
قال بعد ذلك بيومين: ما فعل الديناران. قلت: إنما مات أمس. قال: فعاد إليه من الغد
فقال: قد قضيتها، فقال رسول الله: «الآن بردت جلدته». [رواه أحمد بإسناد حسن كما قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب
2/591].
هذا الحديث وغيره من الأحاديث تدل على عظم شأن
الدين وأنه لا يتساهل فيه، وإنما وردت الأخبار في التشديد في الدين لأن ذنوب حقوق
العباد مبنية على المشاحة والمطالبة في الآخرة ولا يكفي في تطهيرها مجرد التوبة
خلافا للذنوب التي بين العبد وربه فإنها مهما عظمت مبنية على المسامحة والعفو والغفران.
ثلاث تركها نجاة
وعن ثوبان رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فارق الروحُ الجسدَ وهو بريءٌ من ثلاثٍ دخل
الجنة: الكِبْرُ، والدَّين، والغلول» [رواه أحمد والترمذي وابن ماجة وصححه العلامة الألباني في السلسلة
الصحيحة 6/664].
رسول الله يستعيذ من
غلبة الدين
ومما
يدل على خطورة الدين ما ورد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بكثرة من
الدين، فقال له رجل: يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من المغرم فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:« إن الرجل إذا غرم حدّث
فكذب ووعد فأخلف». [متفق عليه].
مظاهر تساهل الناس
بالدين
ومع
عظم خطر الدين فإن كثيرا من الناس اليوم يتساهلون فيه ومن ذلك:
1-
الإكثار من الاقتراض في كل مناسبة.
2-
الاقتراض لأي أمر ولو كان من الكماليات والتحسينات،
وغالبها للمباهاة والمنافسة للآخرين.
3-
التسويف والتأخير في قضاء الدين مع القدرة على
السداد.
4- إشغال الذمة بديون متجددة مع عدم سداد الديون
المتأخرة عليه.
5-
اقتراض المال العظيم مع أنه يوقن على عدم قدرته
على السداد في المستقبل.
6- اقتراض المال لغرض محرم وفعل المعاصي.
7-
الاقتراض من أي مكان حتى لو كان بنكا ربويا أو
مصدرا حراما، وهذا من الكبائر.
الدين وسيلة للكسب
من أعظم
الخطر أن يعتقد المرء أن الاقتراض من الآخرين وسيلة مشروعة للكسب ليحصل على القرض
ثم يأكله ولا يبالي بصاحبه مطلقا، وقد ورد في هذا الصنف من الناس وعيد شديد؛ فعن
صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجلٍ يدين ديناً وهو
مجمع على أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقاً » [رواه ابن ماجة والبيهقي و حسّنه الألباني 2/52]. وغير ذلك من الأحاديث
وروى
البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ اَلنَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا،
أَدَّى اَللَّهُ عَنْهُ، ومَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلَافَهَا، أَتْلَفَهُ
اَللَّهُ».
اتلفه الله أي المال فلا بركة فيه، أتلفه الله أي
وقعت له جائحة أو مصيبة والله اعلم.
إن الذي يستدين من الناس،
وينوي عدم الوفاء أو المماطلة سماه رسول الله ظالما، روى البخاري ومسلم
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ».
من أعظم الذنوب
عن أبي موسى رضي الله عنه
عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إنَّ أعظمَ الذنوبِ
عندَ اللَّه أنْ يلقاهُ بها عبدٌ بعدَ الكبائِرِ التي نَهَى اللَّه عنها أنْ
يَمُوتَ رجُلٌ وعليهِ دَيْنٌ لا يدَعُ له قضاءً» [أخرجه أحمد في المسند 4/ 392، وأبو داود في السنن 3/ 637 ].
جواز الدين عند الحاجة
أما من نزلت به نازلة وضاقت عليه السبل فاقترض
قرضا ليرفع فاقته وهو يضمر وينوي السداد بنية حسنة ثم عجز عن ذلك فلا يُلام شرعا ولا
يؤاخذ في الآخرة، وقد تكفل الله بسداد دينه كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أموال الناس
يريد أداءها أدى الله عنه». [رواه البخاري]. وهذا من إكرام الله ولطفه وجوده بعبده الصالح
فجازاه وكافأه لصدقه وأمانته.
وقد دلت
السنة على جواز الاقتراض للحاجة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في خبر
أبي رافع في صحيح مسلم، وقد رخص أهل العلم بالاقتراض لشراء الأضحية والهدي وأداء
العمرة والحج لمن كان قادرا على الوفاء فلا حرج على المؤمن أن يقترض لذلك عند
استطاعته على السداد إذا كان لديه راتب وظيفة أو صنعة أو تجارة تعود عليه بالربح
غالبا ونحوه أما من كان يعلم من نفسه العجز عن ذلك فلا يجوز له ذلك ولا ينبغي له
حينئذ أن يشغل ذمته بواجب لأداء نفل وهذا من قلة الفقه في الدين.
ومن خشي على نفسه الوقوع في الزنا واحتاج إلى
الزواج ليتعفف أبيح له الاقتراض والله سيعينه على السداد لحديث أبي هريرة رضي الله
عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ثلاثة حق على الله
عونهم المكاتب يريد الأداء والمتزوج يريد العفاف والمجاهد في سبيل الله». [رواه أهل السنن]. وهذه
بشرى للشاب المعوز الراغب في الزواج لأجل العفاف.
خطأ خطير
ومن
الأخطاء الشائعة في هذا الباب التي تخفى على بعض الصالحين أن يكون عند الشخص مال
لأحد أقاربه ائتمنه عليه أو مال لشريكه أو مال لأيتام أو مال لجمعية خيرية فيقترض
منه ويتصرف فيه إلى حلول الراتب من غير علم صاحبه وهذا لا يجوز إلا بإذن المالك
فإن أخبره وأذن له حل له وإلا فتصرفه يعد من الخيانة.
علاج من أثقلته الديون
ومن
أثقلته الديون وعلته الهموم وعجز عن أدائها فعليه بالإقبال على الله وكثرة
الاستغفار ولزوم الفرائض واجتناب الحرام والإكثار من الدعاء وحسن الظن والرجاء
بالله وعدم اليأس. فعن علي رضي الله عنه: أن مكاتبا جاءه فقال إني قد عجزت عن
كتابتي فأعني قال ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان
عليك مثل جبل ثبير دينا أداه الله عنك قال قل: «اللهم اكفني بحلالك عن
حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك». [رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب].
كم من أقوام تحملوا ديونا
وعجزوا عن قضائها ولجأوا إلى الله واكثروا من الاستغفار فجاءهم الفرج من حيث لم
يحتسبوا.
وعن
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول الله ذات يوم المسجد فإذا هو برجلٍ من
الأنصار يقال له أبو أمامة جالساً فيه فقال: يا أبا أمامة ما لي أراك جالساً في
المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: همومٌ لزمتني وديونٌ يا رسول الله، -لاحظ أنه ما طرق بيوت العباد ولا
ذهب إلى المخلوقين بل ذهب إلى ملك الملوك وقاضي الحاجات ومفرج الكربات.
قال صلى الله عليه وسلم: أفلا أعلِّمك كلاماً
إذا قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ فقال: بلى يا رسول الله، قال: «قل إذا أصبحت وأمسيت
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من البخل والجبن
وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال». قال: فقلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني [رواه أبو داود].
وسائل تحميك من كثرة
الدين
هناك وسائل
تحمي المؤمن من كثرة الدين وتحفظه:
1-
تدبير المال وحسن تصريفه وتقديم الأهم فالمهم.
2-
إدخار شيء من المال للحوائج والضائقات. وفي
الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لو كان لي مثل أحد
ذهباً ما يسرني ألا يمر علي ثلاث وعندي منه شيء إلا شيئاً أرصده لدين».
الاقتصاد في الإنفاق على
قدر الحاجة وعدم إنفاقه في السفاسف كما قال تعالى: {وَلاَ
تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ولاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ
فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا}[الإسراء:29]
3-
القناعة والرضا بما قسم الله من الرزق والتكيف على
حسب الظروف والإمكانيات. وفي سنن الترمذي قال صلى الله عليه وسلم: «من أصبح آمناً في سربه
معافا في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»[ صحيح سنن الترمذي
2/274].
4- التأني والتروي في شراء السلع وضبط النفس على
التحكم في عدم شراء السلع الغالية. وقيل لإبراهيم بن أدهم إن اللحم قد غلا فقال
أرخصوه أي لا تشتروه.
5-
تحكيم العقل في الدعايات وعدم الغلو في تتبع
الموضة على حساب الديون.
6-
النظر لمن هو أقل منك في الدنيا وأعلى منك في
التدين: قال صلى الله عليه وسلم «انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، ولَا
تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا
نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ» [ أخرجه ابن ماجه في سننه: كتاب الأطعمة].
فضل
الإقراض والتجاوز عن المعسرين
من أقرض مسلما وفرج همه ووسع
عليه في تأخير السداد أو العفو عن بعض المال أو مسامحته بالكلية مراعاة لحاله فله
ثواب عظيم ورجي له عفو الرب ومسامحته في الآخرة جزاء لصنيعه في الدنيا وقد ورد فضل
عظيم في السنة كما روي في حديث ابن مسعود قوله صلى الله عليه وسلم: «من أقرض مسلما مرتين
كان كصدقة مرة لو تصدق بأحدهما». [رواه ابن ماجه]. وورد في البخاري تجاوز الله عن مذنب كان يتجاوز
عن المعسرين. وفي صحيح مسلم: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس
عن معسر أو يضع عنه». ويجب على الدائن الصبر وعدم مشاكاة ومقاضاة المدين إذا كان معسرا
لا يقدر على السداد.
وعن أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: « إن رجلاً لم يعمل خيرا
قط، كان يُداين الناس، فيقول لرسوله: خذ ما تيسر، واترك ما عَسُر، وتجاوز لعل الله
يتجاوز عنا، فلما هلك، قال الله عز وجل له: هل عملت خيرا قط؟ قال: لا، إلا أنه كان
لي غلام، وكنت أداين الناس، فإذا بَعَثْتُه يتقاضى، قلت له: خذ ما تيسر،
واترك ما عسر، وتجاوز، لعل الله يتجاوز عنا، قال الله عز وجل: قد تجاوزتُ عنك » [مسند الإمام أحمد 14/ 344 رقم 5730. وأصله في الصحيحين.صحيح البخاري
1/ 126 رقم 2078، صحيح مسلم 3/ 1196 رقم 1562.].
وروى الإمام أحمد (22537) عَنْ
بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
يَقُولُ: « مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا َهُ بِكُلِّ
يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ
فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ».[ صححه الألباني
في "الصحيحة" (86)، ومحققو المسند، ط الرسالة.]
السعي لقضاء دين المدينين
ومن البر والإحسان في هذا الباب أن يسعى من كان
له جاه وقول في الناس في قضاء ديون المحتاجين بدفع المال للدائن أو الشفاعة عنده
بإسقاط بعض الدين أو جميعه عن المدين كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع
لأصحابه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اشفعوا تؤجروا». [متفق عليه].
أهمية توثيق الديون وكتابتها
ينبغي
على المؤمن أن يوثق ديونه ويكتبها في وصيته ويحرص على سدادها في الدنيا حتى إن عجز
عنها لم تضع حقوق الخلق وسخر الله له من يقضيها عنه من ولده وقرابته وينبغي على
الولد أن يجتهد كل الجهد في إبراء ذمة أبيه ويحرص على استنقاذ أبيه من هول الحساب
والنار، ولا يتساهل ويسوف فيها كما يفعل بعض الأولاد اليوم مع غناهم والله
المستعان وهذا السداد من أعظم الإحسان بعد موت أبيه وله أجر عظيم في هذا البر وليتذكر
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «نفسُ المؤمِنِ
مُعَلَّقةٌ بدَيْنِهِ حتَّى يُقْضَى عنهُ » [رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن، ورواه الحاكم وصححه ووافقه
الذهبي]
ومن بر
أباه بره بنوه فهنيئا للولد الصالح الذي يوفقه ربه لقضاء ديون والديه ويسرع في
إبراء ذمتهما المالية والعبادية.
اجتهد في قضاء ديونك
ينبغي
على المؤمن أن يحرص ويجتهد على قضاء ديونه وإبراء ذمته من الحقوق والمظالم قبل أن
توافيه المنية وهو متورط وليكن صادق النية في السداد ليفرج الله عنه ويكون معه؛ فعن
ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "«من مات وعليه دينار أو
درهم قضي من حـسناته ليـس ثَمَّ ديـنار ولا درهم » [رواه ابـن مـاجة وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/53].
وليجعل
هذا الهدف أعظم هدف يسعى إليه في دنياه قبل التوسع في المباحات لأنه من آكد
الواجبات وأعظمها خطرا ثم إن قضى دينه ورزقه الله وتوسع في معاشه فالحمد لله وإن
لم يوسع الله عليه وعاش كفافا من الرزق كحال النبي صلى الله عليه وسلم فهو سعيد وناج
في الآخرة ويعوضه الله خيرا عظيما لقصده وقناعته وتعففه.
آداب الدائن عند
الاقراض
وينبغي للدائن عند إقراضه للآخرين أن يراعي
الأمور التالية:
1 - أن يُقرض من طيب ماله لا من رديئه، قال تعالى: { ولاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ ولَسْتُم بِآخِذِيهِ
إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ }[البقرة:267]
2 - أن يحتسب الأجر بهذا الدين وألا يمن به فإن المن
سبب لإحباط أجره، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ والأذَى }[البقرة:264]
3 - أن يُنظر المدين ويخفف عنه الدين إذا رأى منه
العسر والرغبة في السداد، قال تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو
عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ }[البقرة:280]
4 - أن يقيد هذا الدين بالكتابة ويشهد عليه حتى لا
يحصل الخلاف، قال تعالى: { ولاَ تَسْأَمُوْاْ أَن
تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ }[البقرة:282]
من عجز عن أداء ما
عليه من دين في حينه
فليستأذن من استدان منه فإنه أطيب لخاطره وأركد
لباله.. وينبغي ألا يبيت أحد منا وفي ذمته دين قليلا كان أو كثيرا، إلا كتبه في وصيته
لحديث ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -‘-: «ما
حق امرئ مسلم أن يبيت ليلتين وله شيء يوصي فيه، إلا ووصيته مكتوبة عنده»، وكما
تعلمون فإن الدين مقدم في القضاء بعد الوصية على قسمة الميراث، فهو أول ما يتم
سداده من الحقوق.. فلا يأخذ الورثة حقهم إلا بعد الوصية وقضاء الدين الذي على
الميت، كما قال تعالى: { مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ
يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ }[النساء:11]
أسأل الله أن يصلح أحوالنا ويقضي ديوننا ويبارك
في أرزاقنا ويُحسن ختامنا.آمين
وصلى
الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
د.
أمير بن محمد المدري
اليمن
–المهرة
وتسآب:
00967711423239